فصل: الفصل الرابع تشريح عظام الفكين والأنف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تشريح القانون (نسخة منقحة)



.الفصل الرابع تشريح عظام الفكين والأنف:

والكلام في هذا الفصل يشتمل على ثلاثة مباحث:

.البحث الأول تشريح عظام الفك الأعلى:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
أما عظام الفك الأعلى.
إلى قوله: وأما الأنف فمنافعه ظاهرة.
الشرح:
السبب في تكثير عظام الفك الأعلى أمور: أحدها ليكون آمنًا من سريان ما يعرض من الآفات بجزء منه كما قلنا في عظام القحف.
وثانيها: أن بعض أجزائه يجب أن يكون رقيقًا جدًّا متخلخلًا كالعظام التي تحت الأنف.
وسبب ذلك أن فضول الدماغ كثيرة الانحدار إلى هناك فيجب أن يكون ذلك الجزء دقيقًا متخلخلًا ليسهل تحللها منه وبعض أجزائه يجب أن يكون غليظًا جدًّا صلبًا كعظم الوجنة وسبب ذلك أن هذا العظم ترتكز فيه الأضراس فيحتاج أن يكون شديد القوة لئلا تعرض له آفة بسبب كثرة عملها وقوته.
ولأن كبر أصولها يحوج إلى حفرة عظيمة لا يليق بمثلها عظم رقيق خاصة واندفاع فضول الدماغ إلى جهتها قليل جدًّا فلا تضر بها زيادة الغلظ والصلابة.
وإذا كان كذلك وجب أن تكون عظام هذا الفك كثيرة كما قلنا في عظم الرأس.
وثالثها: أن هذا العضو بحذاء الدماغ وهو بارد رطب فتكون الفضول عنده كثيرة وخصوصًا الفضول البخارية مما يتصعد إلى الرأس وما يتولد فيه وذلك يحوج إلى خلل يسهل تحللها منه فيجب أن تكون فيه المفاصل كثيرة لذلك ويلزم ذلك تكثير العظام.
والسبب في أن عظام هذا الفك أكبر عددًا من عظام الفك الأسفل أمور: أحدها: أن تعرض الفك الأعلى بحصول الآفات عن العفونة ونحوها أكثر وذلك لأجل اتصاله بالدماغ الكثير الرطوبة.
وإذا كان كذلك كانت حاجته إلى منع سريان الآفات أكثر.
وإنما يكون ذلك بتكثير المفاصل الذي يلزمه تكثير العظام.
وثانيها: أن حاجة الفك الأسفل إلى اختلاف الأجزاء في الصلابة واللين أقل لانتفاء السبب الذي ذكرناه عنه.
وثالثها: أن الفك الأسفل ليس وراءه من الفضول المحوجة إلى خلل ما يتحلل منه كما في الفك ورابعها: أن الفك الأسفل احتيج فيه إلى زيادة الخفة لأجل دوام حركته وإنما يكون كذلك إذا كان جرمه رقيقًا جدًّا متخلخلًا فلو كثرت مفاصله لتهيأ للانكسار بسهولة.
قوله: مارًا تحت الحاجب.
يريد أن هذا الدرز يكون تحته إذا كان الإنسان مضطجعًا ومنفعة هذا الدرز وصل عظام الفك الأعلى بعظم الجبهة وإنما لم يجعلا عظمًا واحدًا للمنافع المذكورة وجعل مستقيمًا ليكون أقصر فيكون ما يوهنه من التركيب أقل والأبخرة الدخانية تنحل من هذا الدرز كثيرًا لأنه في مقدم الدماغ حيث تكثر الفضول وأبخرتها. ولذلك يتكون عليه شعر الحاجب. وكلما كان خلله أو سع كان هذا الشعر أكثر.
ولذلك إذا يبست العظام في سن الشيخوخة اتسع هذا الدرز فطال هذا الشعر.
قوله: ومن الجانبين درز يأتي من ناحية الأذن مشتركًا بينه وبين العظم الوتدي الذي هو وراء الأضراس.
قد ذكرنا أو لًا أن الدرز الآتي من الدرز اللامي إذا انتهى إلى طرف الإكليلي وذلك عند الموضعين العميقين اللذين في الصدغين رجع منحدرًا وإذا انحدر ذلك كان من ذلك درز مشترك بين العظم الوتدي وبين الفك الأعلى.
وهو هذا الدرز الذي ذكره الآن وجعله محددًا للفك الأعلى من الجانبين.
قال جالينوس: ويبلغ هذا الدرز في انحداره إلى قاصي الأسنان وينتهي إلى باطن الحنك ويلتقي طرفاه هناك.
قوله: ثم الطرف الأخير وهو منتهاه يريد ثم الطرف الآخر من الفك الأعلى وهو الطرف الذي من داخل وهو منتهى هذا الفك الداخل من جانب الداخل.
قوله: أعني أنه يميل ثانيًا إلى الأنسي معناه أن هذا الطرف الباطن يميل إلى الأنسي فيكون الدرز المشترك بين ذلك المنتهى وبين العظم الوتدي مائلًا أيضًا إلى الأنسي.
قوله: فيكون درز يفرق بين هذا وبين الدرز الذي نذكره وهو الذي يقطع أعلى الحنك طولًا معناه أنه يتحقق حينئذٍ درز يفرق بين الدرز الذي تقدم ذكره وهو المنحدر إلى وراء الأضراس وبين الدرز الذي يقطع أعلى الحنك طولًا.
ومعنى كونه يفرق بين هذين الدرزين أنه يقع بينهما فيكون كالفرق بينهما.
ويريد أن ابتداءه كذلك وأما آخره فينتهي عند ذلك الدرز أعني الذي يقطع أعلى الحنك طولًا لأنه يلاقي الطرف الآخر هناك.
والفائدة في هذين الدرزين شدة اتصال عظام الفك الأعلى بالعظم الوتدي وهو شديد الاتصال بالجدران بسبب الدروز التي تقدم ذكرها ويلزم ذلك أن يكون هذا التركيب محكمًا ولأجل ذلك لم يقتصر على أحد هذين الدرزين وذلك ليكون ارتباط عظم قوله: فمن ذلك درز يقطع أعلى الحنك طولًا ودرز يبتدئ ما بين الحاجبين إلى محاذاة ما بين الثنيتين وربما قيل: إن هذين درز واحد.
لأن الذي يقطع أعلى الحنك طولًا هوا لذي في وسط عرض أعلى الحنك ويلزم ذلك أن يكون هو الدرز الآخر.
وجوابه: أنه ليس كذلك لأن القاطع لأعلى الحنك هو في السطح الباطن والآخر في السطح الظاهر.
وفائدة هذين الدرزين وباقي الدروز التي تحت الأنف هو تكثير طرق تحلل الفضول لأن تكثر في هذا الموضع إذ هو مصب فضول الدماغ من الأنف والحنك.
وإنما كانت بهذه الصفة لأنها يجب أن تكون عند أعلى الأنف مجتمعة إذ هناك يكثر اندفاع الفضول.
ويجب أن تكون فيما هو أسفل من ذلك متفرقة لتعم المواضع التي يمكن وصول ما سال من فوق إليها. ويجب أن تزداد تفرقًا كلما ازدادت بعدًا. وإنما يكون كذلك إذا كانت بالصفة المذكورة في الكتاب.
وفائدة الدرز المعترض عند قاعدة المنخرين أن تخل منه ما سال من تلك الفضول إلى ما بين ضلعي المنكبين أعني الضلعين الجنبيين ولنقل الآن على وجوب أن تكون الزوايا التي في المثلثين والتي في العظم الوتدي الذي تحتهما على ما في الكتاب.
أما المثلثان فكل واحد منهما فيه زاوية قائمة وهي التي يوترها الضلع الجنبي منه.
وذلك لأن والضلعان الجنبيان متساويان.
فالزاويتان متساويتان وهما على خط مستقيم فيكونان قائمتين والخط عمود على القاعدتين.
ويلزم ذلك أن تكون الزاويتان الباقيتان من كل مثلث. كل واحدة منهما حادة.
ومجموعهما مساوية للزاوية القائمة.
ويلزمه أيضًا أن تكون الزاويتان اللتان تحت القائمتين متساويتين أيضًا وقائمتين.
وأما الزاويتان اللتان عند الثنيتين فيجب أيضًا أن تكونا قائمتين بغير ما قلناه في زاويتي المثلثين.
ويلزم ذلك أن تكون قاعدتا المثلثين موازيتين لمنابت الأسنان فتكون الزاوية التي عند الناب من كل عظم مساوية للتي للمثلث عند طرف المنخر في تلك الجهة وتلك حادة وكذلك هذه.
فتكون التي في ذلك العظم عند طرف المنخر منفرجة لأنها مع السفلية مثل قائمتين.
والله ولي التوفيق.
وهذه صورة الدروز والزوايا هكذا: قوله: ومن دروز الفك الأعلى درز ينزل من الدرز المشترك الأعلى آخذًا إلى ناحية العين هذا الدرز ينزل من دون منشأ عظم الزوج.
وكما ينزل ينقسم إلى قسمين أحدهما: وهو الصغير يمر إلى خلف وينتهي إلى الحفرة التي تحت عظم الزوج.
وذلك هو طرف هذا الفك من الجانب فيلتقي مع الدرز المحدد له من ذلك الجانب وهو الدرز المشترك بين الفك والعظم الوتدي.
وثانيهما: وهو العظم الذي يأخذ إلى جهة العين مارًا بين القائم والمنحرف فإذا وصل وسط شفير موضع العين الأسفل وهو تحت الموق الوحشي انقسم هناك ثلاثة أقسام وارتقى أعلاه إلى المآق الوحشي من خارج المآق.
وهو فيما بين الدرز المشترك بين اللحي والجبهة وبين نقرة العين حتى يبلغ إلى وسط ما بين الحاجبين.
فأما القسم الثاني: فيمر في نقرة العين من دون المآق الوحشي أو من أسفل منه قليلًا.
وينفذ في النقرة أسفل من الثقب العظيم الذي هو في هذا الموضع.
وهو الثقب الذي يخرج منه العصب الذي يتكون منه وبما يحيط به من طبقات العين ثم يصعد حتى ينتهي إلى الدرز المشترك مع الجبهة وذلك بين الحاجبين فيتحدر بين هذا القسم وبين القسم الأول عظم يحوي بعضٍ نقرة العين وفي هذا العظم الثقب العظيم وموضع المآق الوحشي وهذا العظم صغير جدًّا بالنسبة إلى العظم الذي يحيط به الدرز المشترك مع الجبهة من فوق ويحيط به من أسفل الدرز الآتي من دون منشأ الزوج وهو الذي ذكرناه قبل من شعبته الأولى.
وأما القسم الثالث: وهو الشعبة الثالثة.
فإنما يجاوز شفره موضع نقر العين الأسفل ثم يغيب في العمق على الاستقامة إلى داخل ويرتفع حتى يبلغ الدرز المشترك مع الجبهة بين الحاجبين فيتحدد بين هذين القسمين عظم هو أصغر من الذي فوقه بقليل. فهذه عظام ثلاثة. أعظمها الأول.
وهو يأخذ بعض الصدغ وبعض الحاجب وبعض موضع العين وبعده في العظم الثاني وهو يحوي الأعصاب التي تأتي اللحى الأعلى والعظم الأول طويل يكاد يكون في طول العظمين الآخرين.
وطرفه الأول وهو الذي عند الصدغ يتصل من أسفل بعظم الوجنة ومثل هذه الدروز في الجانب الآخر من اللحى فيكون من كل جانب ثلاثة عظام متشابهة في القد والهيئة إذا عرفت هذا فقول الشيخ: في الشعبة الثانية إنها تتصل كاتصال الأولى من غير أن تدخل النقرة مشكل.
ولو كان قال: لكان العظم الذي تحيط به الشعبة الأولى والثانية صغيرًا جدًّا دقيقًا في الغاية فكان يكون أصغر من العظم الثالث وهو الذي تحيط به الشعبة الثانية والثالثة.
ومن المشرحين من جعل هذه العظام التي هي ثلاثة من كل جانب عظمًا واحدًا من كل جانب فلعله لم يدرك هذه الدروز أو أدركها ولكن لأجل صغرها جعلها كعظم واحد.
وفائدة تكثير هذه العظام أمران: أحدهما: المنفعة العامة. وهو أن لا تعم آفة إن عرضت.
وثانيهما: أن تتحلل الفضول من الخلل الواقع بينهما بالدروز وهاتان المنفعتان هما أيضًا منفعتا الدروز وإنما خلقت كذلك لأن هذه الفضول تكثر جدًّا عند موضع العين لأجل رطوبتها.
وإنما جعل بعضها إلى أسفل من العين ليتحلل منه ما ينزل من تلك الفضول حتى ما يأتي من ناحية الصدغين ولأجل كثرة ما يحصل هناك من الفضول الرطبة تحدث الدموع وسبب حدوثها عند البكاء أن الألم الموجب للبكاء لتسخينه القلب يرتفع منه ومن نواحيه الأبخرة فإذا صعدت تلك الأبخرة إلى الرأس غلظت ولم تنفذ في الأمين لغلظها ولكونها كثيرة متصعدة دفعةً.
فإن الأميّن بصفاقها إنما يتحلل منهما ما يتحلل في زمان طويل.
وإذا لم ينفذ في الأمين دفعها إلى الدماغ إلى جهة العينين لاتصال الأمين بهما فيخرج من تلك الشؤون مائية وتكون حارة لبقية الحرارة الحادثة لها بالغليان الذي حصل في القلب.
وكلما كان الموجب للبكاء أقوى كانت الدموع أكثر.
وأما الدموع التي قد تخرج في حال الضحك فلا تكون حرارتها قوية وذلك لأن محدثها هو تسخين القلب بالفرح وهو لا يحدث في القلب سخونة يعتد بها.
قوله: وكل ما هو منها أسفل بالقياس إلى الدرز الذي تحت الحاجب فهو أبعد من الموضع الذي يماسه الأعلى. إن هذا الكلام لم يظهر لي الآن له فائدة. ولعل غيري يفهم منه معنىً مفيدًا.
وتحت هذه الدروز والعظام التي ذكرناها وهي الثلاثة من كل جانب عظم في كل جانب يقال له عظم الوجنة. وهو عظم ثخين له قدر صالح وجرمه صلب. وقد ذكرنا فائدة ذلك كله.
وهذا العظم يحده من فوق الدرز الآتي من دون منشأ عظم الزوج مع شعبته الثالثة.
وتحده من تحت منابت الأضراس ويحده من جهة الأذن القدر المشترك بين اللحي الأعلى والعظم الوتدي وهو المنحدر إلى ما وراء الأضراس.
وهو الذي ذكرنا في تحديد هذا اللحى ويحده من جهة الأنف الدرز الطرفي الذي من تلك الجهة.
وهو الذي يوتر الزاوية القائمة من المثلث الذي في تلك الجهة.
وأما جالينوس فقد قال في تحديد هذا العظم: أنه يحده من أسفل الدرز المستقيم الذي يقطع أعلى الفم ويريد بذلك الدرز الذي يقطع أعلى الحنك طولًا.
ويريد بكون هذا الدرز يحده من أسفل أنه يكون كذلك إذا كان الإنسان مضطجعًا وأما إذا كان قاعدًا أو منتصبًا فإنما يحد هذا العظم من تحت منابت الأضراس فقط لأن ذلك هوا لذي يكون حينئذٍ تحت هذا العظم والشيخ لم يتعرض لتعريف هذا العظم ولا لعدد عظام هذا الفك وقد اختلف المشرحون في عددها.
وذلك لأن منهم من يعد العظام الستة التي عند العينين التي ذكرناها عظمين فقط كما قلناه أو لًا وبعضهم يجعل العظمين المنحرفين اللذين ينبت فيهما الثنايا والرباعيات عظمًا واحدًا وكذلك العظمين المثلثين اللذين فوق هذين العظمين. وفيهما ثقبتا الأنف اللذان يفضيان إلى الحنك يجعلونهما عظمًا واحدًا.
وبإزاء هؤلاء قوم يجعلون العظم الوتدي من عظام هذا الفك فلذلك أكثر ما قيل في هذه العظام أنها ثلاثة عشرة عظمًا وأقل ما قيل فيها أنها ستة عظام.
أما من جعلها ثلاثة عشر فيقول: أنها ستة عند العينين وعظما الوجنتين وعظمان مثلثان وعظمان منحرفان والعظم الوتدي ومن يقول إنها ستة يقول: إنها عظمان عند العينين وعظما الوجنتين وعظم مثلث وآخر منحرف ومن يقول إنها سبعة يعد مع هذه العظم الوتدي.
ومن يقول إنها اثنا عشر يخرج العظم الوتدي من العدد الأولى وهذا هو الأجود والمشهور.
بقي لقائل أن يقول: إن الدرز الذي ذكره جالينوس وهو القسم الصغير من قسمي الدرز الذي ينزل من درز منشأ الصدغ الذي يمر من هناك إلى خلف حتى ينتهي إلى طرف الأسفل أنه يفصل هناك عظمًا صغيرًا من الجانب الأيمن والآخر مثله من الجانب الأيسر فيزداد في عدد عظام هذا الفك اثنان.
وها هنا مسألة: وإن لم تكن من التشريح فإنها متفرعة عليه وهي أنه ما السبب في أن الآلام العارضة للأسنان أو لأصولها أكثرها إنما يعرض للأضراس مع أنها صلبة قوية بعيدة عن قبول المؤلمات.
وأما الآفات العارضة للحم الذي في موضع الثنايا والرباعيات مع أن هذا اللحم مكشوف للهواء في أكثر الأحوال بخلاف لحم الأضراس فإنه محجوب عن الهواء موضوع حيث الرطوبات تلاقيه دومًا فكان الأولى أن يكون عروض الآفات له أكثر الجواب: أن السبب في هذا من جهة الأسنان ومن جهة الدروز معًا.
أما الذي من جهة الأسنان فإنه الأضراس عراضن ذوات أصول.
فإذا تحركت إليها مادة احتبست بين أصولها ولم تتمكن لأجل ذلك ولأجل زيادة جرمها من الانزلاق عنها.
فإما أن ينفذ في جرمها فيكون ألمها في السن نفسه أو لا ينفذ فيه فيكون ألمها عند أصول الأضراس وأما بقية الأسنان فقليلة الثخن ولكل واحد منها أصل واحد فيكون رأسه دقيقًا.
فإذا تحركت المادة إليها لم يكن وقوعها عند أصول رؤوس أصولها بل ينحدر عنها فإذا انتهت إلى قاعدة الأصل لم يكن هناك مانع من نفوذها بين السن وجدار مغرسه فيخرج ويحصل في اللحم فيفسده من غير أن يؤلم السن ألمًا يعتد به اللهم إلا أن تكون غليظة جدًّا حتى لا يتمكن من النفوذ في الخلل الواقع بين السن ومغرسها فتحدث الآلام في موضع السن وأصله لا في جرمه.
وأما الذي من جهة الدروز فإن الأضراس مركوزة في عظمي الوجنة وهما غليظان جدًّا كبيران عديما الدروز فإذا حصل في هذين العظمين مادة لم يسهل تحللها وخروجها إلى الظاهر فلا تزال تنفذ إلى أن ينتهي إلى السن فتحدث فيه الألم ولا كذلك بقية الأسنان فإنها مركوزة في العظمين المنحرفين والمادة إنما تتحرك إلى هناك نازلة من العظمين المثلثين فإذا وصلت إلى الدرز الذي بينهما وبين العظمين المنحرفين تحللت من ذلك الدروز وحصلت بين ذلك العظم وبين اللحم وسالت نازلة إلى اللحم الذي على الأسنان وإنما قلنا إن السبب في هذا هو الأمران معًا أعني حال الأسنان وحال الدروز لأنه لو كان السبب أحدهما.
فإن كان هو حال الأسنان كان الحال في النواجذ كالحال في باقي الأضراس في كثرة عروض الآلام بل كان ينبغي أن تكون عروض الآلام لها أكثر لزيادة عظمها وإن كان هو حال الدروز كان الحال في الأضراس التي في الفك الأسفل كالحال في الأسنان الأخر التي فيه.
وكان حال اللحم الذي على أسنان الفك الأسفل كالحال في لحم الأضراس التي في الفك الأعلى وليس الأمر كذلك.
وذلك لأن السبب لما كان هو مجموع الأمرين والنواجذ في طرف العظم وعندها درز فلا جرم يقل آلامها بالنسبة إلى بقية الأضراس ولكنها أكثر ما تعرض لبقية الأسنان وذلك لأجل كبرها والأسنان السفلية لأجل فقدان الدروز عندها يقل فساد لحمها بالنسبة إلى الأسنان العلوية ولأجل كبر الأضراس السفلية تخالف الأسنان الأجزاء السفلية في كثرة عروض الآلام.
ولكن هذا المخالفة أقل مما في العلوية لاجتماع الأمرين في العلوية: وهما الكبر في الأضراس ووجود الدروز لبقية الأسنان. والله أعلم بغيبه.